سيكولوجيا الضحك
جاء في أخبار مصر القديمة أن الفرعون تحتمس ، كان ملكاً نشيطاً دؤوباً شديد العناية بأمور الملك . يبدأ نهاره في الصباح الباكر ، ويعمل بلا إنقطاع حتى العصر . وكان يعرف بجدّه ورصانته ، لكن إذا ما فرغ من تصريف شؤون المملكة ، دعا مستشاريه إلى المجلس ، فيسترسلون في الطرب ، ويستغرقون في الضحك . فسأله أحد الأمراء يوماً عن سبب هذه المجالس ، فأجابه تحتمس : " عندما يذهب الرامي بقوسه للصيد ، يشدّ وتر القوس شداً عنيفاً ، فإذا ما عاد من الصيد ، حل الوتر لئلا يتقطع من التوتر المستمر " وهكذا الحال في الضحك . ففيه تخفيف للتوتر المكبوت داخل النفوس ، وشيء من الراحة والتراخي العقلي ، وهو ضرورة حيوية لاستمرار النشاط . الضحك ، إذاً ، متنفس للتعب والكبت والألم ، وهو عدو التشاؤم ، لأن المتشائم لا يضحك ، والحياة أحب وألطف عند المتفائلين . ثم إن الضاحك يحب ويرضى ويعطف. يعتبر الإرتياح أحد أهم الأسباب التي تبعث على الضحك ، الأمر الذي يفترض اللهو والتسلية ، فاللهو يبعد الإنسان عن الحياة الواقعية الجادة ، وينقله إلى عالم الضحك والفكاهة والدعابة . . . وقد تساعد المآسي على بروز الضحك كوسيلة من وسائل الهروب من الواقع وانكاره ، والتخلص من حالات القلق النفسي والحصر والخوف . وهكذا تبدو لنا ظاهرة الضحك من خلال دائرة الفرح واللهو من جهة ، ودائرة المأساة بما تمثله من قلق ولا مبالاة وتهكم . لقد أكد الباحثون على أن الضحك ظاهرة إنسانية بحتة ، فمنهم من وجد فيها مجالاً للتعبير عن فرحهم ومنهم من رأى فيها مجالاً للتعبير عن قلقهم أو للهروب من واقعهم . ولعل عصور التقلب والقلق والاضطراب أكثر العصور غزارة بالفكاهات ، إذ تأتي تعبيراً عن رأي الفرد والجماعة في الحياة والوقائع ، كما أنها تقوم بالترويح عن النفس من وطأة الأحداث ، فتتحول المآسي إلى طرائف ونوادر تخفف من معاناة الشعب . يعتقد محمد رجب النجار ، صاحب كتاب " جحا العربي " أن شخصية جحا كشفت بعبقريتها أن المأساة يمكن أن تتحول إلى ملهاة في ضوء الحالة النفسية التي نواجه بها وقائع وأعباء الحياة . فإندماج الإنسان في بؤرة الحدث أو الموقف يضينه ، وخروجه منه يسري عنه ، وقد يضحك ، وهكذا تحولت المآسي عنده إلى طرائف . . . الدكتور خليل البدوي :يقول إن اللذة الكبرى التي يجدها المرء في الفكاهة والضحك إنما ترجع إلى الرغبة في التحرر من الواقع ، ومن الحياة الجدية ، عن طريق التفكه والمزاح، نظراً إلى ما في المواقف الفكاهية من إنكار للواقع أو تجاهل له ، فالفكاهة تقوم في حياتنا النفسية بدور أو وظيفة تشبه إلى حد ما وظيفة اللاشعور . . . مما لاشك فيه أن الضحك يؤدي دوراً مهماً في حياة الناس من خلال إنكاره للواقع واستبعاده للألم . فبإمكان الإنسان التهرب من الشدائد ، ومن الأمراض العصبية ،